تنطلق فكرة هذه الدراسة من رصد مجموعة التقنيات الجديدة التي تجلَّت في الكتابات والنصوص الروائية في العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، أي أنها تتصدى لأحدث النصوص المعاصرة التي يتوالى صدورها؛ لما تتضمنه من ثورة في الرؤية والتقنية السردية وانصهارهما معًا في إبداع مميز يعرض لعالم إنساني أكثر تحررًا.
أرصد لظاهرة الثورة تقنية ورؤية، الثورة التي أعنيها هي محاولة الروائيين الجدد تناول الوجود فنيًّا وفكريًّا بشكل مغاير، مغامرة تتسم بالجرأة ومحاولة الخروج على استقرار التقنيات والرؤى الفكرية السابقة، كأنهم ينزعون عن عالم الإبداع الروائي طبقات قشوره الأبوية ويثوِّرون تقنياته الفنية المستقرة، ومن ثَمَّ يعبِّرون عن رؤاهم الجديدة في إهاب غير نمطي، يتحرى عالمًا أكثر تعبيرًا عن توق الإنسان للحرية، إثارة الأسئلة الوجودية التي تشتبك مع الواقع، مناوشة يلتقطها كل مبدع بطريقته الفردية وتقنياته الفنية الخاصة، التي قد تتسم بالتجريد والتشظي، أو الفانتازيا والعدمية، أو الغرابة ودرجات من شعرية السرد الذي يتوق للمغايرة، أو لعبة جديدة مع التاريخ واللغة، أو رصد العيش في وطأة العالم الافتراضي، يبتكرون التقنية حيث هي الحامل الجوهري لرؤية غير تقليدية للفن والواقع، يستخدمون آليات السرد بوعي فني، يداخله لا وعي كامن يُعبِّر عن معطيات العالم من حولهم، طريقة تفاعلهم معه وتلقيهم له، يتحرون خلخلة الطرق المعهودة في السرد وتثويرها، وفتح أفق التقنية وأبعادها الفنية وجعلها أكثر عمقًا في عالم الرواية، تفكيك النظرات السابقة للأشياء وزعزعتها، نغز وتقويض المفاهيم الجاهزة في الفكر والإبداع الروائي، وبث روح إبداعية قلقة في صلب التقنية المستقرة من أجل شيطنتها النسبية، ودفع المعتاد إلى الحركة على نحو جديد متسائل.
مفارقة الواقع الكائن بمعطياته، التي تتسم بالصلف والقدم، والاشتباك معه، لا بطريقة تصويره أو انحسار دور الفن بحسبانه انعكاسًا للواقع، لكن بقصد الاشتباك مع مناطق وبؤر توتره، ونسج عوالم فنية أخرى تتوسل بالخيال البشري الذي لا تُقص له أجنحة، الخيال المضفور بالفكر وفلسفة الإبداع الفني، بالأحلام وسريالية علاقاتها، بعوالم الأساطير الكامنة في الموروثات الحضارية للشعوب، بالفلكلور الشعبي وطقوسه السحرية والفنية، بعوالم التصوف وغيرها.